النتائج 1 إلى 22 من 22

الموضوع: غابرييل غارسيا ماركيز

  1. #1

    N F2 غابرييل غارسيا ماركيز


    ولد: غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز
    مارس 1927 (1927-03-06) (العمر: 82)
    أراكاتاكا، ماغدالينا، كولومبيا
    الاسم الأدبي: غابرييل غارسيا ماركيز
    الوظيفة: روائي، صحفي
    الجنسية: كولومبي
    فترة الكتابة: 1967 -
    نوع أدبي: الرواية، القصة القصيرة
    الحركة الأدبية الواقعية السحرية
    أعمال هامة: مائة عام من العزلة، الحب في زمن الكوليرا
    جوائز هامة :جائزة نوبل في الآداب، 1982
    أطفال: رودريك ماركيز، غونزاليس ماركيز

  2. #2

    N F2

    غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز (جابرييل جارسيا، جابريال، غابريال، ماركيث) (بالإسبانية: Gabriel José García Márquez) (ولد في 6 مارس 1927) روائي وصحفي وناشر وناشط سياسي كولمبي. ولد في مدينة أراكاتاكا في مديرية ماجدالينا وعاش معظم حياته في المكسيك وأوروبا ويقضي حالياً معظم وقته في مكسيكو سيتي. نال جائزة نوبل للأدب عام 1982 م وذلك تقديرا للقصص القصيرة والرويات التي كتبها.
    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  3. #3

    N F2

    [] بداياته
    بدأ ماركيز ككاتب في صحيفة إلإسبكتادور الكولومبية اليومية (El Espectador)، ثمّ عمل بعدها كمراسل أجنبي في كل من روما وباريس وبرشلونة وكراكاس ونيويورك. كان أول عمل له قصة بحار السفينة المحطمة حيث كتبه كحلقات متسلسلة في صحيفة عام 1955 م. كان هذا الكتاب عن قصة حقيقية لسفينة كولومبية غرقت بسبب إفراط في التحميل و الوزن, عملت الحكومة على محاولة درء الحقيقة بإدعاء أنها غرقت في عاصفة. سبب له هذا العمل عدم الشعور بالأمان في كولومبيا-حيث لم يرق للحكومة العسكرية ما نشره ماركيز- مما شجعه على بدء العمل كمراسل أجنبي. نشر هذا العمل في 1970 م واعتبره الكثيرون كرواية.
    من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  4. #4

    N F2

    أدبه
    كثيرا ما يعتبر ماركيز من أشهر كتاب الواقعية العجائبية، والعديد من كتاباته تحوي عناصر شديدة الترابط بذلك الإسلوب، ولكن كتاباته متنوعة جداً بحيث يصعب تصنيفها ككل بأنها من ذلك الأسلوب. وتصنف الكثير من أعماله على أنها أدب خيالي أو غير خيالي وخصوصا عمله المسمى حكاية موت معلن 1981 م التي تحكي قصة ثأر مسجلة في الصحف وعمله المسمى الحب في زمن الكوليرا 1985 م الذي يحكي قصة الحب بين والديه.
    ومن أشهر رواياته مائة عام من العزلة 1967 م، والتي بيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة والتي تروي قصة قرية معزولة في أمريكا الجنوبية تحدث فيها أحداث غريبة. ولم تكن هذه الروابة مميزة لاستخدامها السحر الواقعي ولكن للاستخدام الرائع للغة الإسبانية. دائما ما ينظر إلى الرواية عندما تناقش على انها تصف عصورا من حياة عائلة كبيرة ومعقدة. وقد كتب أيضا سيرة سيمون دو بوليفار في رواية الجنرال في متاهة.
    ومن أعماله المشهورة الأخرى خريف البطريرك، عام 1975 م، وسرد أحداث موت معلن، عام 1981 م، والحب في زمن الكوليرا، عام 1986 م.
    تم اقتباس رواية جارسيا قصة موت معلن وتحويلها إلى عمل مسرحي في حلبة مصارعة الثيران بقيادة المخرج الكولومبي الشهير خورخي علي تريانا.
    ومن كتبه كتاب اثنا عشر قصة مهاجرة يضم 12 قصة كتبت قبل 18 عاماً مضت، وقد ظهرت من قبل كمقالات صحفية وسيناريوهات سينمائية، ومسلسلاً تلفزيونية لواحدة منها، فهي قصص قصيرة تستند إلى وقائع صحيفة، ولكنها متحررة من شرطها الأخلاقي بحيل شعرية.

    غابرييل غارسيا ماركيز (في الوسط)كما أصدر مذكراته بكتاب بعنوان عشت لأروي والتي تتناول حياته حتى عام 1955 م, وكتاب مذكرات عاهرات السؤ تتحدث عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية، والأم الكبيرة.
    عام 2002 م قدم سيرته الذاتية في جزئها الأول من ثلاثة وكان للكتاب مبيعات ضخمة في عالم الكتب الإسبانية. نشرت الترجمة الإنجليزية لهذه السيرة أعيش لأروي على يد ايدث جروسمان عام 2003 م وكانت من الكتب الأكثر مبيعا. في 10 سبتمبر 2004 أعلنت بوغوتا ديلي إيلتيمبو نشر رواية جديدة في أكتوبر بعنوان (Memoria de mis putas tristes) وهي قصة حب سيطبع منها مليون نسخة كطبعة أولى. عرف عن ماركيز صداقته مع القائد الكوبي فيدل كاسترو وكذلك صداقته للقائد الفلسطيني ياسر عرفات وأبدى قبل ذلك توافقه مع الجماعات الثورية في أمريكا اللاتينية وخصوصا في الستينيات والسبعينيات. وكان ناقدًا للوضع في كولومبيا ولم يدعم علنيا الجماعات المسلحة مثل فارك FARC وجيش التحرير الوطني ELNالتي تعمل في بلاده.

  5. #5

    N F2

    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  6. #6

    N F2

    لتحميل مائة عام من العزلة




    رواية مئة عام من العزلة لكاتبها غابريل كارسيا ماركيز وقد حاز بسببها على جائزة نوبل

    يقول جوزيه أركاديو المؤسس لقرية ماكاندو المعزولة عن العالم : " في العالم تحدث أشياء خارقة . وليس بعيدا من الطرف الآخر من الجدول توجد كل أنواع الآلات السحرية بينما نستمر في حياتنا كالحمير " ومع الأيام يشيخ جوزيه , و تكبر القرية و يزيد اتصالها مع العالم الخارجي فنقرأ : "وفي يوم من أيام كانون الأول ، اندفعت إلى المشغل (أورسولا) ترتجف رعبا وقالت : لقد انفجرت الحرب . والحق أن الحرب اندلعت منذ شهور ثلاثة . وأعلنت الأحكام العرفية في كل البلاد والوحيد الذي كان عارفا بالأمر هو الدون أبولينار الذي حافظ على سرية الخبر فلم يقله حتى إلى زوجته وإلى أن جاء بغتة فصيل من الجيش احتل القرية . فدخلها قبل طلوع الفجر بلا ضجة ومعه مدفعان خفيفان تجرهما البغال وجعل مركز القيادة في المدرسة ".

    قوة شخصية أورسولا :
    تدور الأيام ويصبح حفيد أرسولا غير الشرعي(أركاديو) حاكما مدنيا وعسكريا يحكم قرية ماكاندو وفق مزاجه : "وفي الحين الذي وقف أركاديو بنفسه كي يعطي الأمر لفصيل الإعدام بإطلاق النار اندفعت أرسولا إلى ساحة الثكنة بعد أن قطعت القرية تولول بالعار الذي لحق بها وفي يدها سوط ،ثم صاحت قائلة :تجرأ أيها اللقيط . وقبل أن يقوم بالحركة الأخيرة ضربته أول سوط وهي تصرخ : تجرأ أيها القاتل ، اذبحني أنا أيضا يا ابن الزانية ، اقتلني فلا تبكي عيناي أني ربيت وحشا مثلك . , و استمرت تضربه و تشد حتى تصاغر أركاديو وانطوى على نفسه كبزاقة . ...منذ هذا اليوم تسلمت هي قيادة القرية فأعادت الصلاة للكنيسة وأوقفت حمل الشرائط الحمراء وألغت كل القيود التي فرضها تقلب المزاج

  7. #7
    الصورة الرمزية همسه
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الدولة
    ضــل الهجـــــير
    المشاركات
    6,994

    افتراضي

    يا سلااااااام يا هواري

    دائما تتحفنا بالكلام السمح دا

    ذكرتني زول دائماً بقول ليهو غارسيا ماركيز ... الله يرحمنا في الدنيا دي
    لست أدري ...
    ما بعيني ...
    غير أني ...
    لم أنم

  8. #8

    N F2


    يحتل اسم الروائي الكولومبي المعروف غبريال غارسيا ماركيز مكانة جليلة ضمن المشهد الأدبي، ليس فقط في بلاده، بل في العالم قاطبة. ترجمت أعماله إلى أغلب اللغات الحية في العالم، حتى أصبح صدور أي عمل جديد له، خصوصاً في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بمثابة حدث ثقافي استثنائي يترقبه الناشر والقارئ معاً. لكن هذه المناسبات الثقافية غدت نادرة لأن صاحب «مئة عام من العزلة»، اختار، بعدما تقدم به العمر (ولد في مدينة اراكاتاكا الكولومبية في 6 آذار «مارس» 1927) عزلة طوعية في مدينة نيو مكسيكو حيث يقيم بهدوء، مسروراً بما حققه من «أمجاد أدبية»، لعل أبرزها فوزه بنوبل الآداب لعام 1982.
    بقليل من المجازفة، غير المبنية على الإحصائيات والأرقام، يمكن القول، وفقاً لمتابعتنا المتواضعة، بأن ماركيز هو من أكثر الكتّاب ترجمة إلى اللغة العربية. ففي سيرته الإبداعية يصعب العثور على عمل روائي له غير مترجم إلى العربية من «ساعة شؤم» إلى «قصة موت معلن» إلى «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»، إلى «الحب في زمن الكوليرا» إلى «خريف البطريرك»، إلى «قصة بحّار غريق»… وغيرها، وصولا إلى مذكراته الآسرة «عشت لأروي»، وروايته الأخيرة «ذاكرة غانياتي الحزينات». ويعود الفضل في هذا التعريب، الذي لم يحظَ به أي كاتب أجنبي آخر، خصوصاً إلى المترجم صالح علماني الذي جمع، أخيراً، القصص القصيرة الكاملة لماركيز، وأصدرها في مجلد واحد طبعته دار المدى (دمشق – 2008). ويعلق علماني: هذا المجلد غير موجود حتى باللغة الاسبانية التي يكتب بها ماركيز. نعم، المجموعات القصصية الأربع التي يضمها المجلد، صدرت كل واحدة منها بشكل مستقل، لكن لم يضمها مجلد واحد»، ويضيف علماني «جمعت قصصه القصيرة؛ المتناثرة هنا وهناك، وآثرت تقديمها في كتاب واحد، لأنني أعرف مدى تعلق القارئ العربي بما يكتبه ماركيز».
    كتب ماركيز في مختلف الأجناس الكتابية: المقال والتحقيق الصحافي (بدأ ككاتب في صحيفة الإسبكتادور اليومية الكولومبية)، السيناريو السينمائي والتلفزيوني، القصة القصيرة، فضلاً عن الرواية. لكن شهرته الروائية طغت على مجالات الكتابة الأخرى. من هنا، فإن هذه القصص تكشف عن تقنية ماركيز في فن القصة القصيرة، وعن تطور لغة السرد لديه، لاسيما وأن تاريخ القصص يمتد من نهاية أربعينات القرن الماضي، كما يشير تاريخ قصة «الإذعان الثالث» (1947)، وحتى مطلع الثمانينات من القرن ذاته، كما يشير تاريخ قصة «ريح الشمال» (1982)، وبعد هذا التاريخ الأخير لم يكتب ماركيز، أو، بكلمة أدق، لم ينشر قصصاً قصيرة.
    يقول ماركيز مقارناً بين الرواية، وبين القصة القصيرة: الجهد المبذول في كتابة قصة قصيرة لا يقل زخماً عن الجهد المبذول للبدء في كتابة رواية. ففي الفقرة الأولى من الرواية يجب تحديد كل شيء: البناء، النبرة، الأسلوب، الإيقاع، الطول… ولا يبقى بعد ذلك إلا متعة الكتابة، أكثر المتع التي يمكن تصورها حميمية وتفرداً. أما القصة القصيرة، فليس لها بالمقابل بداية ولا نهاية: فإما أن تتشكل أو لا تتشكل. فإذا لم تتشكل، فإن التجربة الذاتية، وتجارب الآخرين تعلمنا أن الطريقة الأكثر صحة، في معظم الأحيان، هي البدء بها من جديد عبر طريق آخر، أو الإلقاء بها إلى القمامة، وهذا ما قاله بعبارة مواسية شخص لا أذكر اسمه: «من الأفضل تقويم الكاتب الجيد بالنظر إلى ما مزقه، وليس ما نشره».
    يضم المجلد 37 قصة قصيرة منشورة في أربع مجموعات قصصية، وهي حسب التسلسل التاريخي من الأقدم إلى الأحدث: «عينا كلب أزرق»، «جنازة الأم الكبيرة»، «القصة الحزينة التي لا تُصَدّق لإرينديرا البريئة وجدتها القاسية»، و «اثنتا عشرة قصة قصيرة مهاجرة». وباستثناء لغة ماركيز السلسة والرشيقة والمشوقة، فإن لا شيء يجمع بين مضامين هذه القصص المتنوعة؛ المكتوبة في فترات زمنية متباعدة، وتجري أحداثها في أماكن متفرقة، تتوزعها ضفتا الأطلسي.
    مغامرون وعشاق. ديبلوماسيون ولصوص. قطاع طرق ونبلاء. حرفيون وقادة. سيدات مجتمع وعاهرات. ربات بيوت وبائعات أحلام. مجانين وقساوسة. سحرة وساسة. مشردون وأصحاب ياقات بيضاء… كل هذه الشخصيات تتناوب لغة السرد، وتجد لنفسها فسحة للبوح على ضفاف الحياة التي يرسمها ماركيز متنقلاً من اراكاتاكا (بلدته) وكولومبيا، بل من أميركا اللاتينية عموماً، إلى أوربا حيث مدريد وباريس وروما وجنيف… بعض هذه القصص ينتمي إلى تيار ما عرف بـ «الواقعية السحرية» التي صنعها ماركيز وأقرانه من أدباء الكاريبي كما في القصة الجميلة «أجمل غريق في العالم» التي تتناول حكاية غريق «تنبعث منه رائحة البحر» استطاع، رغم موته، أن يغير الكثير من القناعات، والرؤى في بلدة ساحلية منسية على ضفة الكاريبي، قذفته إليها الأمواج بينما كان «يحمل الموت بكبرياء». في قصة «لا يوجد لصوص في هذه القرية» نتعرف على حكاية صبي دفعته الحاجة إلى سرقة كرات البلياردو. لكن نبله يدفعه إلى إعادة الكرات إلى الصالة فيقع ضحية لغبائه كما يصفه صاحب الصالة. وفي قصة «أمسية بالتازار العجيبة» يتحدث ماركيز عن صانع أقفاص ماهر لدرجة أن القفص الأخير الذي صنعه دفع أحد المعجبين من أبناء القرية إلى التعليق: «لا حاجة إلى وضع الطيور فيه. يكفي تعليقه بين الأشجار حتى يغرد لوحده»، وينتهي الصانع الماهر نهاية مأسوية، عجيبة.
    الواقعية السحرية التي طبعت أدب أميركا اللاتينية، ليست مدرسة أدبية قائمة على مرجعيات ونظريات نقدية، بمقدار ما هي أساليب في القص نابعة من ملامح الحياة، إذ تعكس طرق العيش في تلك البلدان الزاخرة بحكايات مغلفة بالغموض، والأسرار، والألغاز. يقول أحد النقاد: لا يحتاج الكتّاب، في تلك البلدان، إلى الخيال، لأن الواقع يتخطى كل اختلاق، أو خيال بحيث أن مشكلتهم تقتصر في السعي، أثناء كتاباتهم، إلى جعل هذا الواقع قابلاً للتصديق». هذا التحليل يجد برهانه في قصص عديدة مثل: «سيد عجوز… عجوز بأجنحة هائلة»، «موت مؤكد في ما وراء الحب»، «بلاكامان الطيب بائع المعجزات»، «ليلة الكروانات»، «مونولوج ايزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو»، وسواها.
    إلى جانب هذه القصص المحلقة في فضاء الخيال، والمتأرجحة بين الوهم والحقيقة، ثمة قصص مستوحاة من تجارب شخصية مر بها الكاتب نفسه، كما الحال مع قصة «طائرة الحسناء النائمة» التي تتحدث عن رحلة جوية بين باريس ونيويورك. كان ماركيز أحد ركاب تلك الطائرة، وشاءت الصدف أن تجلس إلى جانبه امرأة يصفها غابو على هذا النحو: كانت حسناء مرنة، ذات بشرة ناعمة بلون الخبز، والعينان حبتا لوز أخضر. شعرها ناعم وأسود وطويل، تحيط بها هالة عراقة. وكانت تلبس بذوق مرهف: سترة كتان بيضاء، وبلوزة حرير طبيعي مزينة برسوم أزهار فاتحة جداً، وبنطال كتان خام، وحذاء مستوياً له أزهار البوغامبليا. «هذه هي أجمل امرأة رأيتها في حياتي» فكرتُ، وأنا أراها تمر بخطوات لبوة رشيقة في مطار شارل ديغول». فوجئ، بعد ذلك، بهذا الجمال نائماً بقربه على متن الطائرة العابرة ليل «الأطلسي الفسيح والنظيف». يضيف ماركيز: كانت علامة الحياة الوحيدة التي استطعت ملاحظتها هي ظلال الأحلام التي تمر فوق جبهتها. كانت تعلق في عنقها سلسلة ناعمة جداً، تكاد تكون غير مرئية فوق بشرتها الذهبية، وكانت أذناها تامتين، بلا ثقوب للأقراط، وأظفارها بلون الصحة الجيدة الوردي…». تذكر غابو، عندئذ، وهما في تلك الارتفاعات، رواية «بيت الحسناوات النائمات» للياباني ياسوناري كاواباتا، التي تتحدث عن موضوع قريب لما يحدث له. ولفرط تأثره بالموقف، رد على موظفي مطار نيويورك، حين سألوه عن مهنته، بالقول: «روائي ياباني».
    هذه المواقف التي تبدو عابرة ونافلة، تتحول على يد ماركيز إلى سرد قصصي غني، وشفاف، فهو وكما يقول عنه ألفارو موتيس «أضاف الجمال إلى الواقع عبر اللغة». وهو حصل على التقدير، بل أصبح أشبه بنجم حقق عن طريق الكتابة ما لم يحققه سوى قلائل. وتقول زوجته «أتت الأيام التي صار فيها غابو يتباهى باستطاعته مهاتفة تسعة رؤساء دولة من دون تكليف». ولعل السر كامن في فلسفته الخاصة تجاه الحياة، وإدمانه الكتابة على النحو الذي يشرحه في مذكراته «عشت لأروي»، والتي يستهلها بالقول: «الحياة ليست ما يعيشه احدنا، وإنما هي ما يتذكره، وكيف يتذكره، ليرويه».
    الحياة
    دمشق – ابراهيم حاج عبدي

  9. #9

    N F2

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همسة سودانية مشاهدة المشاركة
    يا سلااااااام يا هواري

    دائما تتحفنا بالكلام السمح دا

    ذكرتني زول دائماً بقول ليهو غارسيا ماركيز ... الله يرحمنا في الدنيا دي

    ست الناس...همسة

    اشواقنا بحر؟

    وينك؟ مشكلة غياااااااااااااب...انا لو الناظر كنتا حفصلك

    كل سنة وانتا طيبة
    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  10. #10

    N F2

    لتحميل بعض رواياته:
    عن الحب و شياطين أخرى[/URL]

    الأم الكبيرة
    [/URL]
    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  11. #11

    N F2


    الجزء الاول
    [/URL]
    الجزء الثاني
    [/URL]

    الجزء الثالث
    [/URL]
    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  12. #12

    N F2


    خريف البطريرك[/URL]

  13. #13

    N F2

    بائعة الورد

    تحسست مينا طريقها في عتمة الفجر, و لبست ثوبها القصير الأكمام الذي كانت قد علقته في الليلة الماضية قرب الفراش, و جعلت تفتش في الصندوق الكبير عن الكمين المنفصلين الذين يكسوان الذراعين امتثالاً للواجب قبل الذهاب إلى الكنيسة ... ثم بحثت عنهما فوق المسامير المعلقة على الحائط و خلف الأبواب, حريصة في كل ذلك ألا تحدث أقل جلبة لكيلا توقظ جدتهما العمياء, التي كانت نائمة في نفس الغرفة ... و لكن ما أن اعتادت عيناها العتمة, حتى لاحظت أن جدتها قد نهضت من الفراش, فذهبت إليها في المطبخ لكي تسألها عن الكمين .. فقالت الجدة العمياء :
    - هما في الحمام .. إنني غسلتهما أمس بعض الظهر ..
    و فعلاً وجدتهما في المطبخ, معلقين من سلك ممدود بمشبكين .. و لكنهما كانا لا يزالان مبتلين .. فعادت مينا بهما إلى المطبخ و بسطتهما فوق أحجار الموقد .. و كانت الجدة العمياء تقلب القهوة و قد سمرت حدقتي عينيها الجامدتين على جدار الشرفة التي رصت فيها أصص الزهور مليئة بأعشاب طيبة ..
    قالت لها مينا : لا تأخذي أشيائي مرة ثانية .. لا يمكنك هذه الأيام أن تتأكدي من طلوع الشمس ..
    حركت المرأة العمياء وجهها نحو الصوت و قالت :
    - إنني نسيت أن هذا يوم الجمعة الأول من أسبوع الفصح, موعد القداس ..
    و بعد أن تأكدت الجدة بنفس قوي من فمها أن القهوة نضجت, رفعت الإناء عن الموقد, ثم قالت :
    - ضعي قطعة من الورق تحت الكمين, لأن أحجار الموقد متسخة .
    أجرت مينا أصابعها على أحجار الموقد .. فوجدها متسخة فعلاً, و لكن بطبقة من السناج المتحجر الذي لا يمكن أن يلوث الكمين إذا لم يحتكا بالأحجار .. على أنها قالت لجدتها :
    - إذا اتسختا فستكونين أنت المسؤولة !..
    و ما لبثت الجدة العمياء أن صبت لنفسها قدحاً من القهوة, و قالت و هي تجذب مقعداً شطر الشرفة :
    - أنت غاضبة .. و من المحرم أن يذهب الانسان للقداس و هو غاضب ...
    و جلست لشرب القهوة عن كثب من الزهور في الحوش .. و عندما انبعث رنين دقات الناقوس الأولى إيذاناً بموعد القداس رفعت مينا الكمين عن الموقد, فكانا لا يزالان مبتلين .. بيد أنها لبستهما .. فإن القس لا يرضى دخول أحد إلى الكنيسة بثوب عاري الذراعين .. ثم مسحت آثار الأحمر من وجهها بمنشفة, و أخذت كتاب الصلاة و الشال من غرفتها, و خرجت للشارع ...
    و بعد ربع ساعة عادت أدراجها ...
    فقالت الجدة العمياء و هي جالسة في مواجهة الزهور في الحوش :
    - سوف تصلين إلى هناك بعد القراءة الأولى ..
    أما مينا فقالت و هي تتجه إلى دورة المياه :
    - لن أتمكن من الذهاب إلى القداس اليوم .. الأكمام مبتلة, و الثوب كله " مكركش " ..
    و على الأثر شعرت بعينين فاهمتين تتبعانها ..
    و ما لبثت العجوز أن هتفت : يوم الجمعة الأول و لا تذهبين للقداس !..
    و لما عادت مينا من دورة المياه صبت لنفسها قدحاً من القهوة و جلست في المدخل المطلي بالمصيص الأبيض عن قرب من العجوز العمياء .. بيد أنها لم تستطع أن تشرب القهوة .. و غمغمت في سخط كامن و هي تشعر بأنها توشك على الغرق في دموعها الحبيسة :
    - أنت السبب !..
    فهتفت العجوز العمياء : أنت تبكين !..
    و أضافت و هي تمر قرب جدتها بعد أن وضعت قدح القهوة على الأرضية : يجب أن تذهبي للاعتراف لأنك جعلتني أضيع قداس يوم الجمعة الأول !..
    أما الجدة العجوز فقد لزمت مكانها جامدة تنتظر أن تغلق باب غرفة النوم .. و ما لبثت أن اتجهت إلى آخر الشرفة ثم انحنت تتحسس حتى عثرت على قدح القهوة على الأرض غير مشروب .. فقالت و هي تسكب القهوة في الإناء الخزفي :
    - الله يعلم أن ضميري مستريح ..
    و في هذه اللحظة خرجت أم مينا من غرفة النوم, و قالت للعجوز :
    - مع من تتكلمين ؟..
    فأجابت : مع نفسي !.. قلت لك قبل الآن انني في طريقي إلى الجنون !..
    و عندما احتجبت مينا في غرفتها فكت أزرار " المشد " و أخرجت ثلاثة مفاتيح صغيرة معلقة في مشبك .. ففتحت بأحدها الدرج السفلي في " التواليت " و أجرت منه علبة متوسطة فتحتها بمفتاح آخر .. و من داخلها أخرجت مجموعة خطابات مكتوبة على ورق ملون و مربوطة بحزام من المطاط .. فأخفت الخطابات داخل مشدها ثم أعادت العلبة إلى مكانها و أغلقت الدرج .. و أخيراً ذهبت إلى دورة المياه و ألقت بالرسائل في المرحاض ..

    و لما رجعت مينا إلى المطبخ قالت لها أمها :
    - حسبتك في الكنيسة ..
    فتولت الجدة العمياء الرد قائلة : لم تتمكن من الذهاب .. أنا نسيت أن هذا يوم الجمعة الأول, و غسلت الأكمام بعد ظهر أمس ..
    فغمغمت مينا : انها لا تزال مبتلة ..
    فقالت العجوز العمياء : انني أقوم بأعمال كثيرة هذه الأيام ..
    و قالت مينا : و أنا مطالبة بتسليم مائة و خمسين " دستة " ورد لمناسبة عيد الفصح ..
    و لم تلبث حرارة الشمس أن تزايدت مبكراً .. و قبل الساعة السابعة كانت مينا قد أعدت " مشغل الورد الصناعي " في غرفة المعيشة : سلة مليئة بأوراق الورد, و لفافة سلك, و علبة من ورق الكريب, و مقصان, و بكرة خيط, و إناء به غراء.. و بعد برهة جاءت ترينيداد التلميذة المترهبة في الكنيسة تحمل علبة كرتون تحت إبطها, و سألتها على الفور لم لمْ تذهب لحضور القداس .. فأجابت مينا :
    - لم تكن الأكمام جاهزة ..
    فقالت ترينيداد : كان يمكن استعارة كمين من أي أحد ..
    و جذبت كرسياً و جلست قرب سلة أوراق الورد .. فقالت مينا :
    - وجدتني متأخرة كثيراً ..
    و فرغت من صنع وردة .. فوضعت ترينيداد علبة الكرتون على الأرض و اشتركت في العمل .. فنظرت مينا إلى العلبة قائلة :
    - هل اشتريتِ حذاءً جديداً ؟
    فأجابت ترينيداد : هي فئران ميتة ..
    و لما كانت ترينيداد ماهرة في تركيب أوراق الورد, فقد تفرغت مينا لعمل سيقان من السلك مغلفة بورق أخضر .. و ظلت كلتاهما تعمل في صمت دون أن تلاحظا تقدم الشمس في غرفة المعيشة, التي كانت مزخرفة بصور تزينية و عائلية .. و عندما تفرغت مينا من صنع السيقان تحولت إلى ترينيداد بنظرة تفيض أسى, فكفت هذه عن العمل و قالت لها :
    - ماذا جرى ؟
    فمالت مينا نحوها و قالت : إنه رحل !..
    فألقت ترينيداد المقص في ....ا قائلة : لا ... لا تقولي هذا !؟؟
    فكررت مينا كلماتها قائلة : إنه رحل !..
    فحدقت ترينيداد فيها طويلاً, و قالت مقطبة : و الآن ؟..
    فأجابت مينا بصوت ثابت : الآن لا شيء ..
    و قبيل الساعة العاشرة تأهبت ترينيداد للانصراف, فاستمهلتها مينا لكي تلقي الفئران في المرحاض, و في طريقها مرت بالعجوز العمياء التي كانت تستقي الزهور في الأصص, فقالت لها مينا :
    - أراهن أنك لن تعرفي ما بداخل هذه العلبة ..
    و هزت العلبة بالفئران ... فأرهفت العجوز حواسها, قائلة :
    - هزيها مرة ثانية ...
    فكررت مينا العملية, بيد أن العجوز لم تستطع أن تتعرف على ما بداخل العلبة رغم هزها مرة ثالثة, فقالت مينا :
    - هي الفئران التي وقعت في المصيدة في الكنيسة الليلة الفائتة .
    و عندما عادت أدراجها مرت بجانب الجدة العمياء دون أن تكلمها .. بيد أن العجوز تبعتها إلى غرفة المعيشة لكي تستكمل مينا عملية الورد الصناعي, و قالت لها :
    - يا مينا .. إذا أردت أن تكوني سعيدة, فلا تعترفي بشيء لشخص غريب عنك ..
    تطلعت إليها مينا دون أن تتكلم .. فجلست الجدة العجوز في المقعد المواجه لها محاولة أن تساعدها في العمل . بيد أن مينا استوقفتها ..
    فقالت الجدة العمياء : أنت عصبية .. لماذا لم تذهبي إلى القداس ؟..
    - أنت تعرفين السبب أكثر من غيرك ..
    فقالت العجوز العمياء : لو كان السبب الأكمام, لما فكرت في الخروج من البيت .. هناك شخص كان ينتظرك في الطريق, و هو الذي سبب لك الشعور بخيبة الأمل ..
    مرت مينا بيديها أمام عيني جدتها, كأنما تمسح لوحاً غير مرئي من الزجاج, و قالت :
    - أنت ساحرة !..
    فقالت المرأة العمياء : إنك ذهبت إلى دورة المياه مرتين هذا الصباح .. و أنت لا تذهبين دائماً أكثر من مرة ..
    استمرت مينا في استكمال الورد الصناعي, بينما عادت العجوز تقول :
    - هل تجسرين على أن تريني ما تخفينه في درج "التواليت" ؟..
    فتركت مينا الوردة التي بيدها متمهلة و أخرجت المفاتيح الثلاثة الصغيرة من مشدها و وضعتها في يد العجوز قائلة :
    - اذهبي و انظري بعي... ...
    فجعلت العجوز تفحص المفاتيح بأناملها, و قالت :
    - إن عيني لا يمكنها الرؤية في قاع المرحاض !..
    رفعت مينا رأسها, و عندئذ اعتراها إحساس مختلف .. فقد شعرت أن الجدة العمياء عرفت انها تتطلع إليها .. و لهذا قالت لها :
    - انزلي في المرحاض إذا كان ما افعله يهمك إلى هذه الدرجة !..
    تجاهلت الجدة العجوز هذا الرد اللاذع, و قالت :
    - أنت دائماً تجلسين في الفراش و تكتبين حتى الصباح المبكر ..
    فقالت مينا : أنت نفسك تطفئين النور قبل النوم ..
    فعاجلتها العمياء قائلة : و في الحال تنيرين أنت بطاريتك .. و بإمكاني أن أعرف أنك تكتبين, من صوت انفاسك ..
    بذلت مينا جهداً للاحتفاظ بهدوئها, و قالت دون أن ترفع رأسها :
    - جميل .. و لنفرض أن هذا هو ما يحدث, فما هو الغريب في ذلك ؟..
    فردت العجوز قائلة : لا شيء .. إلا أن هذا أضاع منك حضور قداس يوم الجمعة الأول ..
    و عند هذا الحد حملت مينا بكلتي يديها بكرة الخيط و المقصين و كومة من الورود التي لم تتم, و ألقت بها جميعاً في السلة, ثم واجهت الجدة العمياء قائلة :
    - هل تحبين أن أقول لك مالذي ذهبت لكي أفعله في المرحاض ؟
    و ظلت الإثنتان متحفزتين إلى أن تولت مينا الرد بنفسها, قائلة :
    - ذهبت لكي آتي ببعض المخلفات !..
    و عندئذ طوحت الجدة العمياء بالمفاتيح الصغيرة في السلة, و غمغمت قائلة و هي تتجه إلى المطبخ :
    - كان يمكن أن يكون سبباً لا بأس به, و كان يمكن أن تقنعيني لولا أنها المرة الأولى في حياتك التي سمعتك فيها تشتمين !..
    و في هذه اللحظة كانت أم مينا آتية في الممشى من الناحية المقابلة محتضنة كومة من الورود الشائكة , و قالت :
    - ماذا جرى ؟..
    فتولت الجدة العمياء الرد قائلة :
    - إنني جننت .. لكن الظاهر أنكم لا تفكرون في إرسالي إلى مستشفى المجانين طالما لا أرمي أحداً بالحجارة !..
    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  14. #14

    N F2

    أجمل غريق في العالم


    ترجمة الدكتور محمد قصيبات

    ظنّه الأطفال لمّارأوه ، أول مرة ، أنه سفينة من سفن الأعداء. كان مثلَ رعنٍ أسود في البحرِ يقتربمنهم شيئا فشيئا. لاحظ الصبيةُ أنه لا يحمل راية ولا صاريًا فظنوا حينئذٍ أنه حوتٌكبير، ولكن حين وصل إلى ترابِ الشاطيء وحوّلوا عنه طحالبَ السرجسِ و أليافَ المدوزو الأسماكَ التّي كانت تغطيهِ تبيّن لهم أنّه غريق. شرعَ الصبيةُ يلعبون بتلك الجثةيوارونها في الترابِ حينًا ويخرجونها حينًا حتّى إذا مرّ عليهم رجلٌ ورأى ما يفعلوننَهَرهم وسعى إلي القريةِ ينبه أهلها بما حدث. أحسّ الرجالُ الذين حملوا الميّتَإلى أول بيتٍ في القرية أنه أثقل من الموتى الآخرين ، أحسّوا كأنهم يحملون جثّةَحصانٍ وقالوا في ذات أنفسهم :
    "ربما نتج ذلك عن بقاء الغريق فترة طويلة تحتالبحرِ فدخل الماءُ حتى نخاع عظامه." عندما طرح الرجالُ الجثةَ على الأرضِ وجدواأنّها أطولُ من قامة كلّ الرجال ، كان رأس الميتِ ملتصقًا بجدار الغرفة فيما اقتربتقدماه من الجدارِ المقابلِ ، وتساءل أحد الرجال عمّا لو كان ذلك ناتجًا عن أن بعضالغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت. كان الميتُ يحمل رائحةَ البحر ، وكانت تغطيه طبقةٌمن الطين و الأسماك. لم يكن من الضرورة تنظيف الوجه ليعرف الرجال أن الغريق ليس منقريتِهم ، فقريتهم صغيرة لا تحوي سوى عشرين من البيوت الخشبية الصغيرة ، و كانتالقرية نادرةَ التربة مما جعل النسوة يخشين أن تحمل الريحُ الأطفال ومنع ذلكالرجالَ من زرع ِ الأزهار ، أمّا الموتى فكانوا نادرين لم يجد لهم الأحياءُ مكانًالدفنهم فكانوا يلقون بهم من أعلى الجرف..
    كان بحرُهم لطيفًا ، هادئًا وكريمًا يأكلون منه. لم يكن رجالُ القرية بكثيرين حيث كانت القوارب السبعةُ التي فيحوزتهم تكفي لحملهم جميعًا ، لذلك كفى أن ينظروا إلى أنفسهم ليعلموا أنه لا ينقصمنهم أحد.. في مساءِ ذلك اليوم لم يخرج الرجال للصيدِ في البحر. ذهبوا جميعًايبحثون في القرى القريبة عن المفقودين فيما بقتِ النسوة في القريةِ للعناية بالغريق ...أخذن يمسحن الوحلَ عن جسده بالألياف ويمسحن عن شعره الطحالب البحرية ويقشّرن مالصق بجلده بالسكاكين..
    لاحظت النسوة أن الطحالب التي كانت تغطي الجثة تنتميإلي فصيلة تعيش في أعماقِ المحيطِ البعيدة ، كانت ملابسه ممزقة وكأنه كان يسبح فيمتاهةٍ من المرجان. ولاحظت النسوة أيضا أن الغريقَ كان قد قابل مَلَكي الموتِ فيفخرٍ و اعتزاز فوجهه لا يحمل وحشةَ غرقى البحرِ ولا بؤس غرقى الأنهار. وعندما انتهتالنسوة من تنظيف الميّت وإعداده انقطعت أنفاسهن ، فهن لم يرين من قبل رجلاً في مثلهذا الجمال و الهيبة..
    لم تجد نساء القرية للجثة ، بسبب الطولِ المفرطِ ،سريرًا ولا طاولة قادرة على حملها أثناء الليل. لم تدخل رِجْلا الميتِ في أكبرِالسراويل و لا جسدُه في أكبرِ القمصان ، ولم تجد النسوة للميّت حذاءً يغطي قدميهبعد أن جربوا أكبر الأحذية. فقدت النسوة ألبابَهن أمام هذا الجسدِ الهائلِ فشرعن فيتفصيل سروالا من قماشِ الأشرعة و كذلك قميصًا من "الأورغندي" الشفاف فذلك يليقبميّتٍ في مثل هذه الهيبة و الجمال.. جلست النسوة حول الغريق في شكلِ دائرةٍ بينأصابع كل واحدةٍ منهن إبرة وأخذت في خياطة الملابس ، كن ينظرن بإعجاب إلى الجثة بينالحين و الحين؛ بدا لهن أنه لم يسبق للريح ِ أن عصفت في مثل هذه الشدة من قبل ولالبحر "الكاراييب" أن كان مضطربًا مثل ذلك المساء. قالت إحداهن " أن لذلك علاقةبالميّت" ، وقالت أخرى " لو عاش هذا الرجل في قريتنا لاشك أنه بنى أكبر البيوتوأكثرهن متانة ، لاشك أنه بنى بيتًا بأبواب واسعة وسقفٍ عالٍ وأرضيةٍ صلبة ولاشكأنه صنع لنفسه سريرًا من الحديد و الفولاذ ، لو كان صيادًا فلاشك أنه يكفيه أنينادى الأسماك بأسمائها لتأتى إليه. ، لاشك أنه عمل بقوة لحفر بئرٍ ولأخرج منالصخور ماءً ولنجح في إنبات الزهر على الأجراف".. أخذت كل واحدة منهن تقارنه بزوجها، كان ذلك فرصة ثمينة للشكوى والقول أن أزواجهن من أكبر المساكين..
    دخلتالنسوة في متاهات الخيال. قالت أكبرهن:" للميّت وجه أحد يمكن أن يسمّى إستبان". كانهذا صحيحًا..كفي للأخريات أن ينظرن إليه لفهم أنه لا يمكن أن يحمل اسمًا آخر ، أمّاالأكثر عنادًا والأكثر شبابا فقد واصلت أوهامها بأن غريقًا ممدّدًا بجانب الأزهاروذا حذاء لامع لايمكن إلا أن يحمل اسمًا رومنطقيًا مثل "لوتارو". في الواقع ماقالته أكبرهن كان صحيحًا فلقد كان شكل الميت بلباسه مزريًا حيث كان السروال غير جيدالتفصيل فظهر قصيرًا و ضيقًا ، حيث لم تحسن النسوة القياس وكانت الأزرار قد تقطعتوكأن قلب الميت قد عاد للخفقان بقوة..
    بعد منتصف الليل هدأت الريحُ ، وسكتالبحرُ ، وساد الصمتُ كل شيء . أتفقت النسوة عندها أن الغريق قد يحمل بالفعل اسمإستبان ، ولم تسُدْ الحسرة أية واحدة منهن: اللاتي ألبسن الميّتَ واللاتي سرحن شعرهواللاتي قطعن أظافره وغسلن لحيته. لم تشعر واحدة منهن بالندم عندما تركن الجثةممدّدة على الأرض ، وعندما ذهبت كل واحدة إلى بيتها فكرن كم كان الغريق مسكينًا وكمظلت مشكلات كبر حجمه تطارده حتى بعد الموت ، لاشك أنه كان ينحني في كل مرة يدخلفيها عبر الأبواب .. لاشك أنه كان يبقي واقفا عند كل زيارة ، هكذا كال...، قبل أنتجد ربة البيت له كرسيا يتحمله...ولاشك أن ربةَ البيتِ كانت تتضرع للربّ في كل مرةألا يتهشم الكرسي. وكان في كل مرة يرد عليها إستبان في ابتسامةٍ تعكس شعوره بالرضالبقائه واقفا ..لاشك أنه ملّ من تكرر مثل هذه الأحداث ، ولاشك أيضا أن الناس كانوايقولون له "ابق وأشرب القهوة معنا" ثم بعد أن يذهب معتذرا يتهامسون: "حمدا لله لقدذهب هذا الأبله". هذا ما فكرت فيه النسوة فيما بعد عطفًا على الغريق..
    فيالفجر، غطت النسوة وجه الميّت خوفًا عليه من أشعة الشمسِ عندما رأين الضعف علىوجهه. لقد رأين الغريق ضعيفًا مثل أزواجهن فسقطت أدمع من أعينهن رأفة ورحمة ، وشرعتأصغرهن في النواح فزاد الإحساس بأن الغريق يشبه إستبان أكثر فأكثر..
    وزادالبكاء حتى أصبح الغريق أكبر المساكين على وجه الأرض.. عندما عاد الرجال بعد أنتأكدوا من أن الغريق ليس من القرى المجاورة امتزجت السعادة بالدموع على وجوهالنسوة. قالت النسوة: "الحمد لله ، ليس الميت من القرى المجاورة إذا فهو لنا!".. أعتقد الرجال أن ذلك مجرد رياء من طرف النسوة ، لقد أنهكهم التعب وكان كل همّهم هوالتخلص من هذا الدخيل قبل أن تقسو الشمس وقبل أن تشعل الريح نارها. أعدّ الرجالنقالة من بقايا شراع وبعض الأعشاب التي كانوا قد ثبّتوها بألياف البحر لتتحمّل ثقلالغريق حتى الجرف وأرادوا أن يلفّوا حول رِجلي الجثّة مرساة لتنزل دون عائق إلىالأعماق حيث الأسماك العمياء وحيث يموت الغواصون بالنشوة ، لفوا المرساة حتى لاتتمكن التيارات الضالة من العودة به إلى سطح البحر مثلما حدث مع بعض الموتىالآخرين. ولكن كلّما تعجّل الرجال فيما يبغون كلّما وجدت النسوة وسيلة لضياع الوقتحيث تكاثر الزحام حول الجثة ؛ بعض من النسوة يحاول أن يلبس الميّت "الكتفيّة" حولكتفه اليمين لجلب الحظ حاول بعضٌ آخر أن يضع بوصلة حول رسغه الأيسر، وبعد صراعلغويّ وجسديّ رهيب بين النسوة شرع الرجال ينهرون ويصرخون :" مالهذه الوشاياتوالفوضى، ماذا تعلقن؟ ألا تعلمن أن أسماك القرش تنتظر الجثّة بفارغ الصبر؟ ما هذهالفوضى، أليس هذا إلا جثّة؟"..
    بعدها رفعت امرأة الغطاء عن وجه الميّتفانقطعت أنفاس الرجال دهشة: "إنه إستبان!" لا داعي لتكرار ذلك لقد تعرفوا عليه. م...ون غيره، هل يظن أحد أن الغريق يمكن أن يكون السير والتر روليك على سبيل المثال؟لو كان ذلك ممكنا فلاشك أنهم سيتخيلون لكنته الأمريكية وسيتخيلون ببغاء فوق كتفهوبندقية قديمة بين يديه يطلق بها النار على أكلة البشر..
    لكن الجثة التيأمامهم غير ذلك، إنها من نوع فريد! إنه إستبان يمتد أمامهم مثل سمكةِ السردين حافيالقدمين مرتديًا سروال طفلٍ رضيع ، ثم هذه الأظافر التي لا تُقطع إلا بسكين. بداالخجل على وجه الغريق ، ما ذنبه المسكين إذا كان طويلاً وثقيلاً وعلى هذا القدر منالجمال؟ لاشك أنه اختار مكانًا آخر للغرق لو عرف ما كان في انتظاره. قال أحدالرجال: "لو كنت محله لربطت عنقي بمرساة قبل أن اقفز من الجرف.. لا شك أنني سأكونقد خلصتكم من كل هذه المتاعب ومن جثتي المزعجة هذه."
    أعد سكان القرية أكبرجنازة يمكن تخيلها لغريقٍ دون هوية. رجعت بعض النسوة اللاتي كن قد ذهبن لإحضارالزهور من القرى المجاورة برفقة أخريات للتأكد من صحة ما سمعن.
    عندما تأكدتنساء القرى المجاورة من شكل الغريق ذهبن لإحضار زهور أخرى ورفيقات أخريات حتى ازدحمالمكان بالزهور وبالنساء.. في اللحظات الأخيرة تألّم سكانُ القرية من إرسال الغريقإلي البحر مثل اليتيم فاختاروا له أمًا وأبًا من بين خيرتهم وسرعان ما أعلن آخرونأنهم أخوته وآخرون أنهم أعمامه حتى تحول كل سكّان القرية إلى أقارب ، وبينما كانالناس يتنافسون في نقل الجثمان فوق أك....م عبر المنحدر العسير المؤدّي إلى الجرفلاحظ سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم مقارنة بجمالِ هذاالغريق. ألقى الرجال بالجثة عبر الجرف دون مرساة لكي تعود إليهم كيفما تشاء ومسكواأنفاسهم في تلك اللحظة التي نزل فيها الميت إلى الأعماق ، أحسوا أنهم فقدوا أحدسكّان قريتهم وعرفوا، منذ تلك اللحظة، أن ثمة أشياء كثيرة لابد أن تتغير فيقريتهم..
    عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية وأسقف أكثر صلابة ليتمكنشبح إستبان من التجول في القرية ومن دخول بيوتها دون أن تضرب جبهته أعمدة السقفودون أن يوشوش أحد قائلاً لقد مات الأبله..
    منذ ذلك اليوم قرر سكّان القريةدهن بيوتهم بألوان زاهية احترامًا لذكرى إستبان.. سوف ينهكون ظهورهم في حفر الآبارفي الصخور وفي زرع الأزهار عبر الأجراف لكي يستيقظ بحارةُ السفنِ المارةِ في فجرِالسنواتِ القادمةِ علي رائحةِ الحدائق ولكي يضطر القبطان للنزول من أعلى السفينةِحاملاً اسطرلابه ونجمتَه القطبية و يقول مشيرًا إلي الجبلِ الذي ينشر زهورَهالورديةَ نحو الأفق وفي كلّ لغاتِ العالم: "أنظروا إلى هناك حيث هدوء الريح ِ وحيثضوء الشمس. هناك هي قرية إستبان!".


    .

  15. #15

    N F2

    الجمال النائم والطائرة


    ترجمة : بن سويعد عبد الحليم

    كانت جميلة فاتنة ، رشيقةالقوام ، وبشرتها ناعمة بلون الخبز ؛ عيناها مثل اللوز الأخضر و شعرها الأسود مسدولعلى كتفيها ؛ ذات هيئة أندونيسية ، كما قد تكون قادمة من بلاد الأنديز .
    كانت ترتدي لباسا ذا نسق خلاق ينم عن ذوق رفيع ؛
    سترة مصنوعة من فراءاللينكس ، قميصا من الحرير الخالص بأزهار متناسقة ، سروالا ذا قماش طبيعي مع حذاءذي حزام ضيق بلون نبات البوغنفيليا (bougainvillea ).
    "هذه أجمل امرأة علىالإطلاق شاهدتها في حياتي "؛ قلت في نفسي عندما لمحتها عيناي
    وهي تمر أماميبخطوات رهيفة حذرة كخطوات اللبؤة ، و أنا واقف في الصف أمام مكتب التسجيل لدفعالأمتعة بمطار شارل ديغول بباريس ، إستعدادا لرحلتي إلى نيويورك . لقد كان ظهوراخارقا لملاك فائق الجمال وللحظات فقط بحيث سرعان ما اختفى في زحمة بهو المطار .
    كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا ، و كان الثلج يتساقط منذ الليلةالمنقضية . كانت حركة المرور أبطأ من العادي في شوارع باريس ، و أكثر بطئا علىالطرق السريعة أين اصطفت الشاحنات الكبيرة على جانب الطريق ، بينما تزاحمت السياراتو اختلط دخانها بالثلج ؛ أمّا بداخل بهو المطار فكان الجو لايزال ربيعيا .
    وقفت في الطابور أنتظر دوري ، خلف مسنّة هولندية أمضت ساعة كاملة فيالحديث عن حقائبها الإحدى عشر ؛ و بدأت أشعر بقليل من الملل عندما وقعت عيناي علىالجمال الفاتن الذي قطع عليّ أنفاسي وأنقذني من تلك الضوضاء ، و لم أدر بعدها كيفانتهى مسلسل المرأة الهولندية وحقائبها ؛ ولم أنزل من تحليقي في السحاب إلاّ علىصوت مضيفة المكتب وهي تعاتبني عن شرود ذهني ؛ وبادرتها ملتمسا عذرها إن كانت تؤمنبالحب من أوّل نظرة . " طبعا ، أمّا بقية الأصناف فهي مستحيلة " ردّت عليّ دون أنتحوّل عينيها من شاشة الكمبيوتر ، ثمّ سألتني إن كنت أفضّل مقعدا في مساحة التدخينأو عكس ذلك . رددت عليها بلهجة تهجّم قصدت بها السيّدة الهولندية " لا يهم ، ما دامأنّني لن أجاور الإحدى عشر حقيبة ."
    أبدت قبولها للتعليق ببسمة تجارية ، ثمّقالت لي دون أن تفارق عيناها الشاشة لحظة : " اختر أحد الأرقام التالية ؛ ثلاثة ،أربعة أو سبعة "
    قلت : " أربعة " .
    ردّت ، و قد كشفت ابتسامتها عننشوة وسعادة : " منذ خمسة عشر عاما و أنا أشغل هذا المكان ، ما رأيت أحدا قبلكاختار غير الرقم سبعة " .
    كتبت رقم المقعد على بطاقة الركوب ، ثم أرجعتهاإليّ مع بقية الوثائق . نظرت إليّ لأوّل مرة بعينين بلون العنب أغدقتا عليّ عزاء ،و خفّفتا من حرقتي ريثما يظهر الجمال الفاتن من جديد . و في هذه اللحظة بالذات ،أخبرتني أنّ المطار قد أغلق للتو في وجه الملاحة ، و أنّ كلّ الرحلات قد أجّلت إلىمواعيد لاحقة .
    "إلى متى يدوم هذا التأجيل ؟ "
    "علم ذلك عند الله " ، ردّت عليّ بابتسامة ، وواصلت : " لقد أذيع هذا الصباح بأنّ هذه العاصفة هي الأعنفخلال العام كلّه " .
    لقد كانت على خطأ ؛ لقد كانت عاصفة القرن كلّه ؛ إلاّأنّ الجو ظلّ ربيعيا في قاعة الإنتظار ذات الدرجة الأولى ، و يمكنك ملاحظة ورودحقيقية لازالت حيّة في إصّيصاتها ، وحتى الموسيقى المنبعثة تضفي سحرا وهدوءا تماماكما تصوّرها مبدعوها ؛ ثمّ فجأة قرّرت في نفسي أنّ هذه الظروف تمثّل ملجأ مناسباللجمال الفاتن ، و كذلك رحت أبحث عنها في قاعات الإنتظار الأخرى تائها ولهانا و غيرآبه بما قد أسبّبه من لفت أنظار الجمهور إليّ .
    كان معظم المنتظرين رجالا منالحياة الواقعية ، يقرؤون صحفا بالإنجليزية ، بينما كانت زوجاتهم يفكرن في أشخاصآخرين وهن ينظرن من خلال النوافذ إلى الطائرات الجامدة في الثلج وإلى المصانعالخامدة المتجمّدة وحقول " رواسي " الواسعة التي حطّمتها أسود جائعة .
    وماأن حلّ منتصف النهار حتى شغلت كل أماكن الجلوس وارتفعت درجة حرارة القاعة ، و باتتلا تحتمل إلى درجة أنّني غادرت لآخذ جرعة هواء منعشـة . وبالخارج شاهدت منظرا غيرعادي ؛ لقد تجمهر كل أصناف البشر داخل قاعات الإنتظار ، و منهم من قبع في الأروقةوعلى المدرّجات منقوصة الهواء ، ومنهم من ألقى بنفسه على الأرض رفقة الحيواناتالأليفة والأمتعة والأبناء . وانقطعت الإتصالات مع المدينة وأضحى القصر البلاستيكيالشفاف أشبه بكبسولة فضائية عملاقة تركت قابعة على الأرض في وجه العاصفة . ولميفارق ذهني التفكير في أن الجمال الفاتن يقبع في مكان ما وسط هذا الحشد المدجّن ( المروّض ) ، و ألهمني ذلك شجاعة و صبرا لأظلّ منتظرا ظهوره .
    ما أن حلّ وقتالغذاء حتى أدركنا أنّ حالنا أضحى شبيها بمن تحطّمت سفينتهم في البحر ، وأضحتالطوابير غير منتهيّة خارج مطاعم المطار السبعة ، و خارج المقاهي و الحانات ؛ وفيأقلّ من ثلاث ساعات أوصدت أبوابها لأنّه لم يبق بها شيء للإستهلاك . و حتى الأطفال، الذين ظهروا في لحظة ما و كأنّهم كل أطفال العالم قد اجتمعوا هنا ، شرعوا فيالبكاء دفعة واحدة . ثمّ ما لبثت أن انبعثت رائحة القطيع من الجمهور الغفير ؛ لقدكان نداء الفطرة .
    وفي تلك الزحمة ، لم أستطع الحصول سوى على كأسين منمثلّجات الفانيلا من محلّ بيع للأطفال . لقد كان الناذلون يضعون الكراسي علىالطاولات عندما غادر أصحاب المحل ، في حين كنت أتناول وجبتي ببطء عند الكونتواروأنا أتأمّل نفسي في المرآة المقابلة مع آخر كأس وآخر ملعقة صغيرة ، ولكن دائمالتفكير في الجمال الفاتن .
    في الثامنة ليلاّ ، غادرت رحلة نيويورك المبرمجةأصلاّ على الساعة الحادية عشر صباحاّ . وما أن امتطيت الطائرة حتى كان مسافروالدرجة الأولى قد أخذوا أماكنهم ؛ واصطحبتني المضيفة إلى مقعدي ؛ وفجأة كاد قلبييتوقّف عن النبض . يا لغريب الصدف ! رأيت الجمال الفاتن جالسا على المقعد المجاورأمام النافذة . لقد كانت مستغرقة في ترتيب مجالها الحيوي بأستاذية المسافر الخبير ؛و قلت في نفسي : " لو قدّر لي أن أكتب هذا ، فلن يصدّقني أحد ". ثمّ نجحت في إلقاءتحية متردّدة بعد تلعثم لم تسمعها و لم تنتبه لها .
    لقد شغلت مقعدها كما لوكانت تنوي أن تعمّر هنالك لأعوام ؛ وضعت كلّ شيء في مكانه المناسب و في متناول يدهاحتى أنّ محيط مقعدها أصبح مصفّفا كالبيت المثالي . و في أثناء ذلك ، أحضر لناالمضيف شامبانيا الضيافة . أخذت كأسا لأناولها إياه ، لكنّني تمهلت قليلا و فكّرتفي ذلك ثمّ عدلت عن رأيي في الوقت المناسب . لم تكن تريد سوى كأس ماء ، ثمّ أوعزتإلى المضيف ، أوّل الأمر بلغة فرنسية غير مفهومة ثمّ بلغة إنجليزية لم تكن أوضح منسابقتها إلاّ بقليل، بأن لا يوقظها خلال الرحلة، و لأيّ سبب كان. لقد كان يشوبصوتها الدافىء بعض الحزن الشرقي .
    وعندما أحضر المضيف الماء ، كانت تضع في....ا محفظة تجميل ذات زوايا نحاسيّة ؛ أخذت قرصين ذهبيين من علبة تحتوي على أقراصأخرى ذات ألوان مختلفة . كانت تفعل كلّ شيء بطريقة منهجيّة و بثقة كبيرة وكأن لاشيء غير متوقع قد حدث لها منذ ولادتها . وما إن انتهت حتى أسدلت الستار على النافذة، سحبت مقعدها إلى الخلف في اتجاه عمودي ومدّدته إلى أقصى ما يمكن ، غطّت جسمهاببطانية إلى الخصر دون أن تنزع حذاءها ، وضعت قناع النوم على رأسها ، استدارتوولّتني ظهرها ثمّ سرعان ما غرقت في نوم عميق . لم تصدر عنها تنهيدة واحدة ، ولاأدنى حركة طيلة الساعات الثمانية الأبدية ودقائقها الإثني عشر الإضافية ، زمنالرحلة إلى نيويورك .
    لقد كانت الرحلة خارقة واستثنائية بالنسبة إليّ . لقدآمنت دائما ولازلت أؤمن بأن لا شيء أجمل في الوجود من امرأة جميلة ؛ وكان يستحيلعليّ أن أهرب للحظة واحدة من أسر ذلك المخلوق الفاتن الذي ينام بجانبي ، والذيكثيرا ما تردّده الروايات والقصص .
    ما إن أقلعت الطائرة حتى اختفى المضيفوخلفته مضيفة شابة ، حاولت أن توقظ الملاك النائم لتناولها محفظة النظافة وسماعاتالموسيقى . ردّدت عليها التعليمات التي أملاها الملاك على زميلها ، غير أنها أصرّتعلى السماع منه شخصيا ممّا اضطر المضيف أن يؤكد أوامرها مع أنّه ألقى ببعض اللومعليّ لأنّ الملاك لم يعلّق إشارة " أرجو عدم الإزعاج " حول رقبتـه .
    تناولتوجبة العشاء بمفردي ، محدّثا نفسي في سكون بكلّ ما كنت سأقوله لها لو شاركتني عشائي . كان نومها هادئا منتظما إلى درجة أنّ نفسي حدّثتني في إحراج بأنّ الأقراصالمنوّمة التي تناولتها لم تكن للنوم بل كانت للموت . و مع كلّ شراب كنت أرفع كأسيلأشرب نخب صحّتها .
    خفتت الأضواء ، و كان يعرض على الشاشة فيلم لم يكنلينتبـه إليه أحد ، و كنّا ولا أحد معنا في ظلمة هذا العالم . لقد ولّت عاصفة القرنوكان ليل الأطلسي صافيا ورهيبا ، وكانت الطائرة تبدو جاثمة غير متحرّكة بين النجوم . ثمّ رحت أتأمّلها بتمعّن لعدّة ساعات ، وأدقّق في جسمها شبرا بشبر، ولم أكنألاحظ أية إشارة تدلّ على الحياة سوى ظلال الأحلام التي كانت تعبر من خلال جبهتهاعبور السحب فوق الماء . كانت تضع حول رقبتها سلسلة رقيقة تكاد لا ترى نظرا للونبشرتها الذهبي . لم تكن أذناها المكتملتان مثقوبتين ، وأظافرها الوردية تعكس صحتهاالجيدة . وكان يزيّن يدها اليسرى خاتم بسيط ؛ ولأنّها لا تبدو أكبر من العشرين عاما، كان عزائي أنّه لا يمثّل خاتم زفاف بل لا يعدو أن يكون علامة خطبة عابرة أوارتباط آني. ورحت على وقع تأثير الشامبانيا أردّد في سرّي روائع جيراردو دييغو حولالمرأة والحب والجمال . خفّضت ظهر مقعدي ليصل إلى نفس مستوى مقعدها ، وألقيت بجسميعليه ، فكنّا أقرب إلى بعضنا البعض من لو كنّا ممدّدين على سرير الزوجية .
    كانت بشرتها تحرّر عبيرا منعشا ، محاكيا صورتها ، لم يكن سوى رائحة جمالها . لقد كان شيئا مدهشا حقا . لقد قرأت في الربيع الماضي قصّة جميلة للكاتب ياسوناريكاواباتا عن أثرياء كيوتو القدامى الذين كانوا يدفعون مبالغ ضخمة من المال مقابلقضاء ليلة في الت... على أجمل فتيات المدينة وهنّ مخدرات و مستلقيات عرايا على نفسالسرير ، يتعذبون من حرقة الشغف والحب ولا يستطيعون ايقاظهن أو لمسهن ، بل ولايجرؤون حتى على المحاولة لأنّ مبعث لذّتهم و تلذذهم هو رؤية الفتيات العاريات وهنّنائمات .
    في تلك الليلة ، وأنا أراقب الجمال النائم ، لم أصل فقط إلى إدراكمعنى التألم الناجم عن الضعف النفسي والحسّي ، بل مارسته وجرّبته وتذوّقت مرارتهإلى أبعد الحدود ؛ وقلت في نفسي وقد ازدادت آلامي واتقدت أحاسيسي بفعل الشمبانيا : " ما فكّرت يوما في أن أصبح من قدماء اليابانيين عند هذا العمر المتأخّر ".
    أعتقد أنّني نمت لعدة ساعات تحت تأثير الشامبانيا وتفجيرات الفيلمالصامتة ؛ وعندما استيقضت كانت رأسي تؤلمني بشدّة . ذهبت إلى الحمّام ، وألفيتالمرأة المسنّة مستلقيّة على مقعدها تماما كالجثّة الهامدة في ساحة المعركة . كانتنظاراتها متساقطة على الأرض في وسط الرواق ، و للحظة ، إنتابني شعور عدواني ممتع فيعدم التقاطها . ما إن تخلّصت من الشمبانيا الزائد في دمي ، حتى رحت أتأمّل نفسي فيالمرآة ، فوجدتني قبيح المنظر وتعجّبت كيف يحطّم الحب صاحبه إلى هذا الحد .
    فقدت الطائرة علوّها من دون سابق إنذار ، ثمّ عادت واستوت وواصلت تسابقالأجواء بسرعة كاملة إلى الأمام . ظهرت فجأة إشارة " ألتزموا أماكنكم " ، فأسرعتإلى مقعدي على أمل أن أجد الجمال النائم قد استيقظ بفعل الإضطراب ، لعلّه يلجأ إلىحضني ليحتمي به ويدفن فيه خوفه وذعره . وخلال حركتي الخاطفة، كدت أن أدوس علىنظارات المرأة الهولندية وكنت سأسعد لو أنّني فعلت ؛ غير أنّتي غيرت موضع قدمي فيآخر لحظة ، ثمّ التقطتها ووضعتها في ....ا شكرا لها وامتنانا لعدم اختيارها للمقعدذي الرقم أربعة.
    كان نوم الملاك الجميل أعمق من أن تعكره حركة الطائرة . وعندما استوت الطائرة في مسارها من جديد ، كان عليّ أن أقاوم رغبتي الجامحة فيايقاظها بافتعال عذر ما ، لأنّ كل ما كنت أرغب فيه خلال الساعة الأخيرة من الرحلةهو فقط رؤيتها يقظة ، حتى ولو كانت غاضبة ، لأستردّ حريّتي المسلوبة وربما لأستعيدشبابي كذلك ؛ غير أنّني افتقدت الشجاعة الكافية لذلك ، و قلت لنفسي باحتقار شديد : " إذهب إلى الجحيم ! لماذا لم أولد ثورا ؟ "
    استفاقت من نومها ، ومن تلقاءنفسها ، عند اللحظة التي اشتعلت فيها أضواء الهبوط . كانت جميلة ناعمة و مرتاحة كمالو أنها نامت في حديقة للورود ؛ وحينها أدركت أنّ الأشخاص الذين يتجاورون في مقاعدالطائرة لا يبادرون بتحية الصباح تماما كما هو شأن الأزواج القدامى ؛ و كذلك هي لمتفعل .
    خلعت قناعها ، فتحت عيناها المشعّتين ، أرجعت ظهر المقعد إلى وضعيتهالعاديّة ، وضعت البطانية جانبا ، حرّكت شعرها ليعود إلى نسقه بفعل وزنه ، وضعتمحفظة التجميل على ركبتيها ، عالجت وجهها ببعض المساحيق غير الضرورية لتستهلك وقتاكافيا يعفيها من النظر إليّ ريثما تفتح أبواب الطائرة ، ثمّ لبست سترتها اللينكسيـة . تخطّتنـي مع عبارة عفو تقليدية بلغة اسبانية لاتينوأمريكية نقيّة ، وغادرت من غيركلمة وداع ، أو على الأقل كلمة شكر على ما بذلته من أجل أن أجعل ليلتنا سعيدة ، ثمّسرعان ما اختفت في شمس يومنا الجديد في غابة نيويورك الأمازونية
    لا ينابيع ريدي جفت *** لا ولا أشـــواقي خفـــت

  16. #16

    N F2

    احد هذه الايام
    غابرييل غارسيا ماركيز

    ترجمة: خالد عبدالقادر


    اشرق يوم الاثنين دافئا من دون مطر. اوريليو اسكوفار طبيب اسنان من دون شهادة, يستيقظ مبكرا كل يوم و يفتح عيادته فى تمام السادسة. اخرج طقم اسنان اصطناعية لا يزال فى قالبه الجصى من الصندوق الزجاجى و وضع على الطاولة حفنة من الادوات التى قام بترتيبها على حسب احجامها كما و لو انه يرتبها للعرض. كان يرتدى قميصا مخططا من دون ياقة احكم اغلاق عنقه بدبوس ذهبى و كان يرتدى بنطالا بحمالات. كان منتصب القامة و نحيفا جدا و له نظرة لا تتوافق ابدا مع المواقف التى يمر بها مثل تلك النظرة التى تبدو على وجه الاطرش.

    عندما رتب ادواته على المنضدة قام بسحب المثقاب تجاه الكرسى و جلس ليلمع الاسنان الاصطناعية. لم يبد عليه انه يفكر فيما يفعل لكنه كان يعمل بثبات و كان يضخ الهواء للمثقاب بالتبديل برجليه حتى عندما لم يكن يحتاج لذلك.

    توقف بعد الساعة الثامنة لبرهة لينظر للسماء عبر النافذة. راى صقرين على حافة عامود المنزل المجاور مستغرقين فى تجفيف ريشهما تحت الشمس. عاد الى عمله و فكرة انها ستمطر مرة اخرى قبل الغداء تسيطر على تفكيره. قطع صوت ولده ذو الحادية عشر الحاد تركيزه.
    "بابا"

    "ماذا هناك؟"

    "العمدة يريد ان يعرف ان كنت ستخلع سنه"

    "اخبره انى لست هنا"

    كان يلمع سنا ذهبية. حملها و مد ذراعه بعيدا و بدا يتفحصها بعيون نصف مغمضة. صاح ولده مرة اخرى من داخل غرفة الانتظار الصغيرة.

    "انه يقول انك ستخلعها لانه يسمعك"

    واصل الطبيب فحص السن. وضعها على الطاولة بعد ان اتمها حينها قال:
    "انه عمل جيد"

    قام بتشغيل المثقاب مرة اخرى. و قام باخراج العديد من قطع تلبيسات الاسنان من صندوق ورق مقوى يحتفظ فيه بالاشياء التى يجب ان يعملها و بدأ فى تلميع الذهب.

    "بابا"

    "ماذا هناك؟"
    لم يغير اوريليو نبرته حتى تلك اللحظة

    "انه يقول ان لم تخلع سنه فانه سيطلق عليك النار"

    من دون استعجال و بحركة هادئة جدا توقف عن التبديل برجليه و دفع المثقاب بعيدا عن الكرسى و سحب درج المنضدة الاسفل لاخره حيث يوجد مسدس. "حسنا...قل له ان يحضر و ليطلق على الرصاص"

    دفع بالكرسى تجاه الباب فى الناحية الاخرى و كانت يده ترتكز على حافة الدرج. ظهر العمدة على الباب. كان قد قام بحلق الجانب الايسر من وجهه و كان الجانب الاخر متورما وموجعا عليه لحية لم تحلق منذ خمسة ايام. راى الطبيب على عينيه المتبلدتين اثر العديد من الليالى اليائسة. قام باغلاق الدرج باطراف اصابعه و قال بلطف:
    "اجلس"

    قال له العمدة "صباح الخير"

    رد الطبيب "صباح"

    بينما كانت الادوات تغلى وضع العمدة راسه على مسند الكرسى و احس بارتياح. كانت العيادة متواضعة: كرسى خشبى قديم, مثقاب يعمل ببدال, صندوق زجاجى به قوارير من السيراميك. فى الجانب المقابل للكرسى كانت هناك نافذة عليها ستارة بارتفاع الكتف. عندما احس باقتراب الطبيب قام العمدة بتثبيت اقدامه و فتح فمه.

    ادار اوريليو اسكوفار وجهه تجاه الضوء و بعد ان فحص السن المصاب قام باغلاق فم العمدة بضغطة حذرة من اصابعه.

    قال الطبيب "يجب خلعه دون تخدير"

    "لماذا؟"

    " لان لديك خراج"

    نظر العمدة فى عينيه ثم قال "حسنا" و حاول ان يبتسم. لم يرد الطبيب على ابتسامة العمدة. احضر الصحن الذى يحتوى على الادوات المعقمة لمنضدة العمل و اخرجها ببطء باستعمال ملقاط. بعدها قام بدفع وعاء البصاق بطرف حذائه و ذهب و غسل يديه بحوض الغسيل. فعل كل ذلك دون ان ينظر للعمدة. لكن العمدة كان يراقبه طوال الوقت.

    كان السن المصاب ضرس عقل سفلى. قام الطبيب بابعاد ما بين ساقيه و قام بالامساك بالسن بواسطة ملقاط ساخن. تشبث العمدة بيدى الكرسى و ثبت رجليه على الارض بكل ما اوتى من قوة و احس بفراغ ثلجى بكليتيه لكنه لم يصدر اى صوت. كان الطبيب يحرك رسغه فقط. قال من دون ضغينة لكن بلطافة مرّة:
    "ستدفع الآن للعشرين رجلا الذين ماتوا من رجالنا "

    احس العمدة بتحطم العظام بفكه و امتلاءت عينيه بالدموع. لكنه لم يتنفس حتى احس بان السن قد خرج. بعده رأه من خلال دموعه. كان شئيا غريبا لالمه ذاك الذى جعله لا يفهم العذاب الذى اختبره طيلة خمس ليال.
    منحنيا فوق الوعاء المخصص للبصاق كان جسمه يتعرق و كان يلهث. قام بفك ازرار سترته و مد يده للمنديل بجيب بنطاله. قام الطبيب باعطائه قطعة قماش نظيفة.
    قال له " جفف دموعك"

    قام العمدة بتجفيف دموعه. كان يرتجف. بينما كان الطبيب يغسل يديه, رأى السقف المتفتت و رأى شبكة عنكبوت مغبرة بها بيوض و حشرات ميتة.عادالطبيب و هو يجفف يديه و قال " اذهب الى سريرك...و مضمض فمك بماء به ملح".قام العمدة و ودع الطبيب بتحية عسكرية لا مبالية و اتجه نحو الباب يمد ساقيه دون ان يغلق ازرار سترته.

    قال "ارسل لى الفاتورة"

    "لك ام للمدينة؟"

    لم ينظر العمدة له. و قال له عبر الزجاج:
    "كلانا نفس الشئ اللعين

  17. #17

    N F2

    و هذه قصة اخرى للمترجم خالد عبدالقادر
    عينا كلب ازرق
    غابرييل غارسيا ماركيز
    بعدها نظرت الىّ. ظننت انها تنظر نحوى لاول مرة. لكن بعدها, عندما استدارت خلف المصباح ظللت احس بنظراتها الزيتية الزلقة خلفى, فوق كتفى, عندها فهمت اننى انا من ينظر اليها لاول مرة. اشعلت سيجارة. استنشقت دخانها القوى , قبل ان ادور بالكرسى, مرتكزا على احدى رجليه الخلفيتين. بعدها رأيتها هناك, كما لو كانت تقف قرب المصباح تنظر الىّ كل ليلة. لعدة دقائق قصار كان ذلك كل ما فعلناه: ينظر كل منا للاخر. نظرت من على الكرسى مرتكزا على رجل خلفية. وقفت بيد طويلة هادئة على المصباح, تنظر نحوى.رأيت جفنيها يلمعان كما فى كل ليلة. عندها تذكرت الشئ المعتاد, عندما قلت لها: "عينا كلب ازرق." من دون ان ترفع يدها عن المصباح قالت لى:" هذا. انا لن انسى هذا ابدا." تركت المدار, قالت متنهدة:"عينا كلب ازرق.لقد كتبتها بكل مكان."
    رأيتها تتجه ناحية منضدة تغيير الملابس. راقبتها و هى تظهر على زجاج المرآة المستدير و هى تنظر الىّ بنهاية ضوء يتحرك للامام و للخلف بحركة منتظمة. راقبتها و هى تنظر الى بعينيها الكبيرتين الساخنتين كالفحم: تنظر نحوى بينما تفتح الصندوق الصغير المغطى بالصدف الوردى. رأيتها تضع البودرةعلى انفها. عندما انتهت اغلقت الصندوق, وقفت مرة اخرى, و اتجهت مرة اخرى ناحية المصباح و قالت: "انا خائفة من ان هناك شخص ما يحلم بهذه الغرفة و يفضح اسرارى. و فوق اللهب مدت نفس اليد الطويلة المرتجفة التى كانت تدفئها قبل ان تجلس الى المرآة. و قالت:"انت لا تحس بالبرد." فقلت لها: "بعض الاحيان."ثم قالت لى:"لابد انك تحس به الآن." بعدها فهمت لم لم اكن وحيدا على المقعد.لقد كان البرد يعطينى الثقة بوحدتى. قلت:"انا الآن احس به."." و هذا شئ غريب لان الليلة هادئة. ربما سقطت الملاءة عنى." لم ترد.مرة اخرى بدأت تتجه صوب المرآة و استدرتُ مرة اخرى على الكرسى, محتفظا بظهرى فى مواجهتها. دون ان اراها, كنت اعرف ماذا كانت تفعل. كنت اعرف انها تجلس امام المرآة مرة اخرى, ترى ظهرى, و الذى كان عنده ما يكفى من الوقت للوصول لاعماق المرآة و يلتقطه بصرها, و الذى كان ايضا لديه وقت كافى للولوج للاعماق و العودة- - قبل ان تجد اليد ما يكفى من الوقت لتبدأ الجولة الثانية- -حتى تغطت شفتاها بلون قرمزى, باول حركة من يدها امام المرآة. رأيت, امامى, الجدار الاملس, و الذى كان يشبه مرآة عمياء اخرى لا استطيع ان اراها فيه- - تجلس خلفى- - لكنى كنت استطيع تخيل المكان الذى كانت فيه كما ولو ان هناك مرآة عاقت مكان الحائط. قلت لها "انا اراك."و على الجدار رأيت ما كان, رأيتها و كانها ترفع بصرها و تنظر نحو ظهرى وا نا جالس على الكرسى, باعماق المرآة, و وجهى ناحية الجدار.
    حينها رأيتها تخفض بصرها مرة اخرى و تنظر ملئا نحو صدارتها, صامتة. فقلت لها مرة اخرى" انا ارأك." رفعت عينيها من صدارتها مرة اخرى. و قالت "هذا مستحيل." سألتها لماذا. قالت و عينيها على صدارتها مرة اخرى" لان وجهك متجه ناحية الحائط." عندها ادرت الكرسى. كنت احتفظ بالسيجارة بين شفتى المطبقتين. عندما واجهت المرآة كانت قد عادت الى المصباح. الآن تفتح يديها فوق اللهب كما لو كانتا جناحى دجاجة, تدفئ نفسها, و ظلال اصابعها تسقط علي وجهها. قالت"اعتقد ان ساصاب بنزلة برد.". "لابد ان هذه مدينة الثلج.". اشاحت بوجهها جانبا و تحولت بشرتها من لون النحاس البرونزى الى اللون الاحمر, فجاءة اصبحت حزينة. قالت "افعل شئ ما."و بدأت تخلع ملابسها قطعة قطعة, بدأت بالصدارة. قلت لها "ساستدير نحو الحائط". قالت لا.باى حال , سترأنى بالطريقة التى رأيتنى بها عندما كان ظهرك تجاهى." انهت جملتها وسرعان ما صارت عارية تقريبا, يلعق اللهب بشرتها النحاسية الطويلة."طالما اردت ان اراك على هذا النحو, و الجلد فوق بطنك ملئى بالتجاعيد, كما لو انك تعرضت للجلد." و قبل ان ادرك فوضى كلماتى لدى رؤيتها عارية توقفت عن الحركة, تدفئ نفسها فوق كرة المصباح, ثم قالت "ببعض الاحيان اظن اننى صنعت من المعدن." صمتت لبرهة. تغير وضع يداها فوق اللهب قليلا. قلت "فى بعض الاحيان باحلام اخرى , ظننتك تمثال برونزى صغير موضوع بزاوية احد المتاحف. ربما لهذا السبب تحسين بالبرد. و قالت"فى بعض الاحيان, عندما انوم على قلبى, استطيع ان احس بجسدى يصبح فارغا و جلدى يتحول للوح. ثم, عندما يخفق الدم بداخلى, كما لو ان احدهم يطرق على بطنى و احس بصوتى النحاسى على السرير. انه مثل- -ما تسميه- - معدن مصفح.اقتربت اكثر من المصباح. قلت لها "تمنيت ان اسمعك حينها." و قالت:"اذا كنا سنعثر على بعضنا مرة تلو اخرى, ضع اذنك على اضلاعى عندما انوم على الجانب الايسر و ستسمع صداىّ. لطالما اردتك ان تفعل ذلك بعض الاحيان." سمعتها تتنفس بصعوبة بينما كانت تتكلم. و قالت انها لم تفعل شئيا مختلفا لسنوات عدة. كانت حياتها مكرسة للعثور علىّ فى الحقيقة, من خلال العبارة التعريفية: "عينا كلب ازرق." و طفقت ترددها بصوت عال طوال الطريق, كطريقة لاخبار الشخص الوحيد الذى فهمها:
    "انا الشخص الذى يزورك باحلامك كل ليلة و يخبرك:" عينا كلب ازرق." و قالت انها ذهبت الى المطاعم و قبل ان تطلب ما تاكله قالت للندل :"عينا كلب ازرق."لكن الندل انحنوا بتهذيب, دون ان يتذكروا انهم قالوا ذلك باحلامهم. بعدها تقوم بالكتابة على المحارم و تنحت على طلاء الطاولات بسكين " عينا كلب ازرق." و على نوافذ الفندق المعتمة, و بالمحطات, و كل المبانى العامة, كانت تكتب"عينا كلب ازرق." قالت انها دخلت مرة لصيدلية و شمت رائحة شمتها بغرفتها ذات ليلة عندما حلمت بى. فكرت "لابد انه قريب.", تلحظ بلاط الصيدلية الجديد النظيف. ثم ذهبت الى موظفها و قالت له: "انا احلم دائما برجل يقول لى: عينا كلب ازرق. وقالت ان الموظف نظر لعينيها واخبرها: "فى الواقع, يا انسة, ان لك عينين مثلهما." و قالت له: "يجب على ان اعثر على الرجل الذى قال لى تلك الكلمات باحلامى." و بدأ الموظف يضحك و تحرك الى الناحية الاخرى من المكتب. ظلت ترى البلاط النظيف وتشم الرائحة. و فتحت محفظتها و على البلاط كتبت باحمر شفاهها القرمزى: "عينا كلب ازرق." عاد الموظف من المكان الذى ذهب اليه. اخبرها : "سيدتى لقد لوثت البلاط." اعطاها قطعة قماش مبللة قائلا "نظفيه." و قالت, و هى لا تزال قرب المصباح, انها ظلت طوال الظهيرة جاثية على ركبتيها تنظف البلاط و تردد :"عينا كلب ازرق," حتى تجمع الناس امام الباب و قالوا انها مجنونة.
    الآن, بعد ان انهت حديثها, بقيت فى الزاوية, جالسا, متارجحا على الكرسى. قلت "كل يوم احاول ان اتذكر العبارة التى ساجدك بها." الآن لا اعتقد بانى سانساها غدا. لكن, رددت ذلك لنفسى كثيرا و عندما استيقظ كنت انسى الكلمات التى ساجدك بها." و قالت "لقد اخترعت العبارة بنفسك عند اول يوم." قلت لها:" نعم لقد كونتها لانى رأيت عيناك اللتان تشبهان لون الرماد. لكنى لا اتذكرها صباح اليوم التالى." قالت و هى تحكم قبضتها, بالقرب من المصباح, و تتنفس بصعوبة:" اذا تذكرت الآن على الاقل اسم المدينة التى كنت اكتبها فيها."
    لمعت اسنانها المطبقة فوق اللهب. قلت لها " اريد ان المسك الآن."رفعت وجهها الذى كان ينظر ناحية الضوء, رفعت بصرها, يحرق, يشوى ايضا, مثلها, مثل يداها, و احسست انها رأتنى, فى الزاوية حيث اجلس, اتارجح على الكرسى. قالت" لم تخبرنى بذلك ابدا." قلت :" اخبرك الآن و هذه هى الحقيقة.". على الجانب الاخر من المصباح طلبت سيجارة. اختفى عقب السيجارة بين اصابعى

  18. #18

  19. #19

    افتراضي رد: غابرييل غارسيا ماركيز

    قريت ليهو ثلاثة روايات خريف البطريق ومائة عام من العزله والحب في زمن الكوليرا صادفتني فيهن حاجه غريبه كل ماتعيد واحد من رواياته تكتشف انك بتقرا لاول مره رغم اني قريتن اكتر من مرتين

  20. #20
    عودوا طيفا أو خيالاً وكلموني الصورة الرمزية ود الشيخ
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    32,190

    افتراضي رد: غابرييل غارسيا ماركيز

    هلا بمها عبد المنعم
    يعني تلبتي طوالي هنا
    عموما اهل بك وسعيدين بانضمامك لنا
    ونشوف رواياتك
    ربما تجمعنا اقدارنا ذات يوم بعدما عز اللقاء

  21. #21

    افتراضي رد: غابرييل غارسيا ماركيز

    كان انتظر يرحبو بي مش؟
    بصراحة لي فترة بقرا من بره لبره وعاجبني ماركيز دا اول مادخلت قلت ابدا بيهو

  22. #22
    Elite Member الصورة الرمزية محسن الفكي
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    26,748

    افتراضي رد: غابرييل غارسيا ماركيز


ضوابط المشاركة

  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • تستطيع إرفاق ملفات
  • تستطيع تعديل مشاركاتك
  •